فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}
قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ}: الكافُ في محلِّ نصبٍ كنظائرها. قال الزمخشري: مثلَ ذلك الإِرسالِ أَرْسلناك، يعني: ارسلناك إرسالًا له شأن. وقيل: الكافُ متعلِّقةٌ بالمعنى الذي في قوله: {إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاءُ ويهدي} [الرعد: 27]، أي: كما أنفذ اللهُ هذا كذلك ارسلناك. وقال ابن عطية: الذي يظهر لي أن المعنى: كما أَجْرَيْنا العادةَ بأنَّ الله يُضِلُّ ويَهْدِيْ لا الآياتِ المقترحةَ، فكذلك أيضًا فَعَلنا في هذه الأمَّةِ: أرسَلْناك إليها بوحيٍ لا بآيات مقترحة.
وقال أبو البقاء: {كذلك} التقديرُ: الأمر كذلك فجعلها في موضعِ رفعٍ. وقال الحوفي: الكافُ للتشبيه في موضع نصب، أي: كفِعْلِنا الهدايةَ والإِضلال. والإِشارةُ بـ: ذلك إلى ما وَصَفَ به نفسَه مِنْ أنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يشاء ويَهْدِي مَنِ يشاء.
قوله: {قَدْ خَلَتْ} جملةٌ في محلِّ جرٍّ صفةً. وللتلُوَ متعلِّقٌ ب: {أَرْسَلْناك}.
قوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ} يجوز أن تكونَ هذه الجملةُ استئنافيةً وأن تكونَ حاليةً، والضميرُ في: {وهم} عائدٌ على {أمة} من حيث المعنى، ولو عاد على لفظِها لكان التركيبُ وهي تكفر. وقيل: الضميرُ عائدٌ على {أمَّة} وعلى {أُمَم}. وقيل: على الذين قالوا: {لَوْلاَ أُنزِلَ} [الرعد: 27]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}
لئن أرسلناك بالنبوة إليهم فلقد أرسلنا قبلك كثيرًا من الرسل، ولئن أصابك منهم بلاءٌ فلقد أصاب مَنْ قَبْلَكَ كثيرٌ من البلاء، فاصْبِرْ كما صَبَرُوا تُؤْجَرْ كما أُجِرُوا.
قوله جلّ ذكره: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّى لآَ إلَهَ إلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}.
لئن كفروا بنا فآمِنْ أنت، وإذا آمنتَ فلا تبالِ بِمَنْ جَحَد، فإِنَّك أنت المقصودُ من البَرِيَّة، والمخصوصُ بالرسالة والمحبة.
لو كان يجوز في وصفنا أن يكون لنا غرضٌ في أفعالنا.
ولو كان الغرض في الخِلْقَة فأنت سيد البَشَر، وأنت المخصوص من بين البشرية بحسن الإقبال، فهذا مخلوق يقول في مخلوق:
وكنتُ أَخَّرْتُ أوطاري لوقت ** فكان الوقت وقتك والسلام

وكنت أطالِبُ الدنيا بِحُبِّ ** فكنتَ الحُبَّ.. وانقطع الكلام

. اهـ.

.تفسير الآية رقم (31):

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما فرغ من الجواب عن الكفر بالموحى، عطف على: {هو ربي} الجواب عن الكفر بالوحي فقال: {ولو} إشارة إلى أنه يعتقد في القرآن ما هو أهله بعد ما أخبر عن اعتقاده في الرحمن، أي وقل: لو: {أن قرآنًا} كانت به الآيات المحسوسات بأن: {سيرت} أي بأدنى إشارة من مشير ما: {به الجبال} أي فأذهبت على ثقلها وصلابتها عن وجه الأرض: {أو قطعت} أي كذلك: {به الأرض} أي على كثافتها فشققت فتفجرت منها الأنهار: {أو كلم به الموتى} فسمعت وأجابت لكان هذا القرآن، لأنه آية لا مثل لها، فكيف يطلبون آية غيره! أو يقال: إن التقدير: لو كان شيء من ذلك بقرآن غيره لكان به- إقرارًا لأعينكم- إجابة إلى ما تريدون، لكنه لم تجر عادة لقرآن قبله بأن يكون به ذلك، فلم يكن بهذا القرآن، لأن الله لم يرد ذلك لحكمه علمها، وليس لأحد غير الله أمر في خرق شيء من العادات، لا لولي ولا لنبي ولا غيرهما حتى يفعل لأجلكم بشفاعة أو بغيرها شيئًا لم يرده الله في الأزل: {بل} ويجوز أن يكون التقدير: لو وجد شيء من هذا بقرآن يومًا ما لكان بهذا القرآن، فكان حينئذ يصير كل من حفظ منه شيئًا فعل ما شاء من ذلك، فسير له ما شاء من الجبال إلى ما أراد من الأراضي لما رام من الأغراض، وقطع به ما طلب من الأرض أنهارًا وجنانًا وغيرها، وكلم به من اشتهى من الموتى، ثم إذا فتح هذا الباب فلا فرق بين القدرة على هذا والقدرة على غيره، فيصير من حفظ منه شيئًا قادرًا على شيء، فبطلت حينئذ حكمة اختصاص الله سبحانه بذلك من أراد من خلص عباده، وأدى ذلك إلى أن يدعي من أراد من الفجرة أن أمر ذلك بيده، يفعل فيه ما يشاء متى شاء، فيصير ادعاءه مقرونًا بالفعل شبهة في الشرك، وليعلم قطعًا أنه ليس في يد أحد أمر، بل: {الله} أي الذي له صفات الكمال وحده: {الأمر} وهو ما يصح أن يؤمر فيه وينهى: {جميعًا} في ذلك وغيره، لا لي ولا لأحد من الأنبياء الذين قلتم إني لست أدنى منزلة منهم، وأما الخوارق التي كانت لهم فلولا أن شاءها لما كانت، فالأمر إليه وحده، مهما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وكأن هذا جواب لما حكي في السيرة النبوية أن الكفار تفتنوا به؛ قال ابن إسحاق: ثم إن الإسلام جعل يفشو بمكة في قبائل قريش في الرجال والنساء، فاجتمع أشرافهم فأرسلوا إليه صلى الله عليه وسلم فكلموه في الكف عنهم وعرضوا عليه أن يملكوه عليهم وغير ذلك فأبى وقال: «إن الله بعثني إليكم رسولًا، وأنزل عليّ كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا»، فقالوا: فإنك قد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلدًا ولا أقل ماء ولا أشد عيشًا منا، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليخرق فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق- زاد البغوي: فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود حيث سخر له الجبال تسبح معه، أو سخر لنا الريح فنركبها إلى الشام لميرتنا، ونرجع في يومنا فقد سخرت الريح لسليمان كما زعمت- رجع إلى ابن إسحاق: وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب، فإنه كان شيخ صدق، فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل! فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا به منزلتك من الله، وأنه بعثك إلينا رسولًا كما تقدم- زاد البغوي: فإن عيسى كان يحيي الموتى، ولست بأهون على ربك منه فكان سؤالهم هذا متضمنًا لادعائهم أن دعواه إنزال القرآن لا تصح إلا أن فعل هذه الاشياء.
ولما كان هذا كله إقناطًا من حصول الإيمان لأحد بما يقترح، تسبب عنه الإنكار على من لم يفد فيه ذلك فقال تعالى: {أفلم} بفاء السبب: {ييئس الذين آمنوا} من إيمان مقترحي الآيات بما يقترحون لعلمهم: {أن} أي بأنه: {لو يشاء الله} أي الذي له صفات الكمال- هداية كل أحد مشيئة مقترنة بوجوده: {لهدى الناس} وبين أن اللام للاستغراق بقوله: {جميعًا} أي بأيسر مشيئة، والعلم بالشيء يوجب اليأس من خلافه، لكنه لم يهدهم جميعًا فلم يشأ ذلك، ولا يكون إلا ما شاءه، فلا يزال فريق منهم كافرًا، فقد وضح أن: {ييئس} على بابها، وكذا في البيت الذي استشهدوا به على أنها بمعنى علم يمكن أن يكون معناه: ألم تيأسوا عن أذاي أو عن قتلي علمًا منكم بأني ابن فارس زهدم، فلا يضيع لي ثأر، وكذا قراءة علي ومن معه من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين- أفلم- يتبين الذين آمنوا- أي أن أهل الضلال لا يؤمنون لآية من الآيات علمًا منهم بأن الأمر لله جميعًا، وأن إيمانهم ليس موقوفًا على غير مشيئته.
ولما علم من ذلك أن بعضهم لا يؤمن، ضاقت صدور المؤمنين لذلك لما يعاينونه من أذى الكفار فأتبعه ما يسليهم عاطفًا على ما قدرته من نتيجة عدم المشيئة، فقال: {ولا يزال الذين كفروا} أي ستروا ضياء عقولهم: {تصيبهم بما صنعوا} أي مما مرنوا عليه من الشر حتى صار لهم طبعًا: {قارعة} أي داهية تزعجهم بالنقمة من بأسه على يد من يشاء، وهو من الضرب بالمقرعة: {أو تحل} أي تنزل نزولًا ثانيًا تلك القارعة: {قريبًا من دارهم} أي فتوهن أمرهم: {حتى يأتي وعد الله} أي الملك الأعظم بفتح مكة أو بالنصر على جميع الكفرة في زمن عيسى عليه السلام فينقطع ذلك، لأنه لا يُبقي على الأرض كافرًا، وفي غير ذلك من الأزمان كزمن فتح مكة المشرفة، فيكون المعنى خاصًا بالبعض: {إن الله} أي الذي له مجامع الكمال: {لا يخلف الميعاد} أي الوعد ولا زمانه ولا مكانه؛ والوعد: عقد الخبر بتضمن النفع، والوعيد: عقده بالزجر والضر، والإخلاف: نقض ما تضمن الخبر من خير أو شر. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَوْ أَنَّ قُرْءَانًا سًيِّرَتْ بِهِ الجبال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الموتى بَل لِّلَّهِ الأمر جَمِيعًا أَفَلَمْ يَاْيْئَسِ الذين ءَامنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ الله لَهَدَى الناس جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الذين كَفُرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حتى يأَتِىَ وَعْدُ الله إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} اعلم أنه روي أن أهل مكة قعدوا في فناء مكة، فأتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم وعرض الإسلام عليهم، فقال له عبد الله بن أمية المخزومي: سير لنا جبال مكة حتى ينفسخ المكان علينا واجعل لنا فيها أنهارًا نزرع فيها، أو أَحْي لنا بعض أمواتنا لنسألهم أحق ما تقول أو بطال، فقد كان عيسى يحيى الموتى، أو سخر لنا الريح حتى نركبها ونسير في البلاد فقد كانت الريح مسخرة لسليمان فلست بأهون على ربك من سليمان، فنزل قوله: {ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال} أي من أماكنها: {أو قطعت به الأرض} أي شققت فجعلت أنهارًا وعيونًا: {أو كلم به الموتى} لكان هو هذا القرآن الذي أنزلناه عليك.
وحذف جواب: {لو} لكونه معلومًا، وقال الزجاج: المحذوف هو أنه: {لو أن قرآنًا سيرت به الجبال} وكذا وكذا لما آمنوا به كقوله: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى} [الأنعام: 111].
ثم قال تعالى: {بل لله الأمر جميعًا} يعني إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، وليس لأحد أن يتحكم عليه في أفعاله وأحكامه. ثم قال تعالى: {أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
في قوله: {أفلم ييأس} قولان:
القول الأول: أفلم يعلموا وعلى هذا التقدير ففيه وجهان:
الوجه الأول: {ييأس} يعلم في لغة النخع وهذا قول أكثر المفسرين مثل مجاهد والحسن وقتادة.
واحتجوا عليه بقول الشاعر:
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه ** وإن كنت عن أرض العشيرة نائيًا

وأنشد أبو عبيدة:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ** إلم تيأسوا أني ابن فارس زهدم

أي ألم تعلموا.
وقال الكسائي: ما وجدت العرب تقول يئست بمعنى علمت ألبته.
والوجه الثاني: ما روي أن عليًا وابن عباس كانا يقرآن: {أفلم يأس الذين آمنوا} فقيل لابن عباس أفلم ييأس فقال: أظن أن الكاتب كتبها وهو ناعس أنه كان في الخط يأس فزاد الكاتب سنة واحدة فصار ييأس فقرئ {ييأس} وهذا القول بعيد جدًا لأنه يقتضي كون القرآن محلًا للتحريف والتصحيف وذلك يخرجه عن كونه حجة قال صاحب الكشاف: ما هذا القول والله إلا فرية بلا مرية.
والقول الثاني: قال الزجاج: المعنى أو يئس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء لأن الله لو شاء لهدى الناس جميعًا.
وتقريره أن العلم بأن الشيء لا يكون يوجب اليأس من كونه والملازمة توجب حسن المجاز، فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ اليأس لإرادة العلم.
المسألة الثانية:
احتج أصحابنا بقوله: {أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا} وكلمة: {لو} تفيد انتقاء الشيء لانتفاء غيره.
والمعنى: أنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس، والمعتزلة تارة يحملون هذه المشيئة على مشيئة الإلجاء، وتارة يحملون الهداية على الهداية إلى طريق الجنة، وفيهم من يجري الكلام على الظاهر، ويقول إنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس لأنه ما شاء هداية الأطفال والمجانين فلا يكون شائيًا لهداية جميع الناس.
والكلام في هذه المسألة قد سبق مرارًا.
أما قوله تعالى: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبًا من دارهم} ففيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قوله: {الذين كفروا} فيه قولان:
القول الأول: قيل: أراد به جميع الكفار لأن الوقائع الشديدة التي وقعت لبعض الكفار من القتل والسبي أوجب حصول الغم في قلب الكل، وقيل: أراد بعض الكفار وهم جماعة معينون والألف واللام في لفظ الكفار للمعهود السابق هو ذلك الجمع المعين.
المسألة الثانية:
في الآية وجهان.
الأول: ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا من كفرهم وسوء أعمالهم قارعة داهية تقرعهم بما يحل الله بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في نفوسهم وأولادهم وأموالهم، أو تحل القارعة قريبًا منهم، فيفزعون ويضطربون ويتطاير إليهم شرارها، ويتعدى إليهم شرورها حتى يأتي وعد الله وهو موتهم أو القيامة.
والقول الثاني: ولا يزال كفار مكة تصيبهم بما صنعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم من العداوة والتكذيب قارعة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يزال يبعث السرايا فتغير حول مكة وتختطف منهم وتصيب مواشيهم، أو تحل أنت يا محمد قريبًا من دارهم بجيشك كما حل بالحديبية حتى يأتي وعد الله وهو فتح مكة، وكان الله قد وعده ذلك.
ثم قال: {إن الله لا يخلف الميعاد} والغرض منه تقوية قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وإزالة الحزن عنه.
قال القاضي: وهذا يدل على بطلان قول من يجوز الخلف على الله تعالى في ميعاده، وهذه الآية وإن كانت واردة في حق الكفار إلا إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إذ بعمومه يتناول كل وعيد ورد في حق الفساق.
وجوابنا: أن الخلف غير، وتخصيص العموم غير، ونحن لا نقول بالخلف، ولكنا نخصص عمومات الوعيد بالآيات الدالة على العفو. اهـ.